سعادة السيّد أنطونيو مانويل غوتيريس

سعادة السيّد أنطونيو مانويل غوتيريس:
الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة:
أتينا اليوم نخاطبكم ونتقدم لسعادتكم بمذكرتنا هذه نحن منظمات حقوقية ومنظّمات المجتمع المدني السورية بمختلف نشاطاتها، أتينا والأمل يحدونا في أن تلقى حسن قبولكم وفائق عنايتكم.
سعادة الأمين العام:
تعيش هيئة الأمم المتحدة اليوم اختبارا حقيقياً غير مسبوق يهدد أكثر من أي وقت مضى مصداقيتها وغايات وأسباب وجودها ونشأتها. لا سيما بعد سلسلة من حالات العجز المريب صراحةً في أداءها لمسؤولياتها إزاء ما يحدث في العالم من أزماتٍ وحروب وقضايا يتّسع نطاقها وتتفاقم آثارها ونتائجها الكارثية حيناً بعد حين.
فمناطق عفرين، رأس العين/سري كانيه، وتل أبيض، المثال الحي والتي هي مناسبة رسالتنا هذه اليكم.
عاشت وتعيش هذه المناطق اليوم واقعاً من العار سوف يُذكر في صفحات تاريخ البشرية، بأنها عاشته بدءاً نتيجة عملية “غصن الزيتون” التركية في عام 2018، وعملية “نبع السلام” في تشرين الأول/أكتوبر 2019، وفي ظل هيئتكم ومواثيق واعلانات وقوانين وعهود واتفاقيات الحقوق والحريّات، أو عاشته بعد كل التجارب والتضحيات والمآسي والحروب التي مرّ بها العالم والتي ما كانت حلّاً يوماً لقضيّة أو حق.
معالي الأمين العام:
الكل يعلم إلا من لا يريد أن يعلم، بأن ّتركيا اجتاحت بجيشها وبالآلاف من عناصر “الجيش الوطني السوري” الذي تدعمه “أنقرة”، مناطق عفرين، وبعدها رأس العين/سري كانيه وتل أبيض السورية، واحتلتها تباعاً، مستخدمةً مختلف صنوف الأسلحة، ومارست عبرها جملة كبيرة من الجرائم والفظائع، مخترقة بذلك ليست القوانين الدولية الخاصة بالعسكريين وأسرى الحرب وشروط وقواعد معاملتهم فحسب، بل خرقت وضربت عرض الحائط كل قواعد ونصوص القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان ومواثيق واعلانات وعهود تلك الحقوق، ولا سيما تلك الخاصة منها والمتعلقة بالتزامات حماية وتأمين سلامة السكان المدنيين وأمنهم أثناء الحروب، وضمان سبل العيش الكريم لهم من مرافق وخدمات وغير ذلك .
ولعلّ آلاف الوثائق والصور والفيديوهات التي ضجّت بها الأرجاء ووسائل الإعلام أوضحت بعدها المطلق عن كل تلك الالتزامات.
السيد غوتيريس:
ما أن احتلت تركيا عفرين وبعدها رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، وبسطت سيطرتها ونفوذها على هذه المناطق، مدناً وبلداتٍ وقرى، حتى أطلقت يد مسلحي الفصائل السورية التي أولتها إدارة المنطقة، وهي تعلم يقيناً أيّ فكرٍ يحملون، فعاثوا في المنطقة فساداً وإجراماً وصبوا جام حقدهم وتطرّفهم وفكرهم المتشدد على الأهالي، وذلك منذ اليوم الأول من احتلال هذه المناطق وحتى لحظة كتابتنا هذه اليكم.
لقد استباح الاحتلال ومرتزقته عفرين ورأس العين/سري كانيه وتل أبيض بكل ما تعنيها الاستباحة من معنى. فسرقوا ونهبوا وسلبوا وقتلوا ومارسوا الاختطاف والاخفاء القسري والتعذيب والتهجير القسري والابتزاز والتوطين ومنعوا عودة النازحين والعنف الجنسي بحق الجنسين.
ولم تمارس تركيا كل ذلك في الخفاء بل مارسته بشكلٍ معلنٍ ومخططٍ وممنهج، ولغايات هي في منتهى الخبث والسوء، لعلّ أهمها يتمثل في ضرب المكونات السورية الدينية والعرقية والمذهبية وغيرها ببعضها، وزرع فتنٍ وأحقاد وضغائنٍ تتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل، بهدف تمرير مآربها الاستعمارية، والتي يقيناً أخطرها هي رغبتها واستهدافها للكرد كمكون تسعى تركيا لإبادتهم وتطهيرهم عرقيّا، لا سيما إذا ما علمنا بأنهم أي الكرد يشكّلون أكثر من ٩٥% من سكان عفرين.
ولا نطلق تلك الأحكام جزافاً ولا نكيل الاتهامات عن عبث بل الصورة والواقع على الأرض أبلغ برهان.
سعادة الأمين العام:
إن تركيا اليوم كدولة محتلة لجزء من أراضي دولة مجاورة هي سوريا، وبصرف النظر عن دوافعها وغاياتها وأعذارها، وبصرف النظر أيضاً عن إخلالها وخرقها لقوانين السيادة والقوانين التي تنظم العلاقات بين الدول والتي لا تهمّنا وتعنينا بقدر ما يعنينا الجانب الإنساني لالتزاماتها ومسؤولياتها المنصوص عنها وعليها في الاتفاقيات والمعاهدات والقوانين والمواثيق العالمية، ولا سيما القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان .
وقد جاءت تلك الالتزامات واضحة في تلك القوانين ولا سيما حول ما يخصّ مسؤولية المحتل في تأمين سبل العيش الكريم و الخدمات لسكان الأرض المحتلة كما أسلفنا الذكر .
إلا أن تركيا بعيدة كل البعد عن تلك المسؤولية، و ترتكب مع المجموعات التابعة لها جرائم تدخل معظمها ضمن جرائم اعتبرها القانون الدولي الإنساني جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وجرائم إبادة جماعية، و تحديداً وفق ما ورد في نصوص ومواد اتفاقيتي لاهاي (١٨٩٩-١٩٠٧)، واتفاقيات جنيف الأربعة وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة (١٩٤٩)، وبروتوكوليها الملحقين (١٩٧٧)، بالإضافة الى ما ورد في نظام روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية (١٩٩٨) .
فجرائم اعتدائها على المدنيين واعتقالهم تعسفياً وتعذيبهم واقتيادهم إلى جهات مجهولة، ينطبق وصفها على صريح ما ورد في نظام روما الأساسي، ولا سيما المادة السابعة منه والمتعلقة بالاختفاء القسري، أو ما ورد في الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري (المواد ١-٢-٧ مثالاً).
أضف الى ذلك ارتكابها لجرائم التهجير القسري الممنهجة بحقّ السكان المحليين وطردهم من منازلهم وممتلكاتهم ومنعهم منها وافراغ القرى والمناطق وترحيلهم واستقدام آخرين في المقابل من مختلف مناطق سوريا و توطينهم بدلاً عن السكان الأصليين، و أيضاً منع النازحين جراء الحرب من العودة الى بيوتهم و ممتلكاتهم و اغلاق المنافذ أمامهم، و ذلك كله في خطوة غايتها التغيير الديموغرافي لعفرين ورأس العين/سري كانيه واستهداف خصوصية تلك المدن وتركيبتها السكانية، والتي يمكن اعتبارها بلا شكّ أو التباس جرائم تطهيرٍ عرقيّ ودينيّ وإبادة جماعية لمجموعة عرقية هم الكرد، و دينية تستهدف الإيزيديين الكرد، و تدخل بذلك الوصف تحت البنود التي ناقشتها و تناولتها القوانين الدولية وبالذات اتفاقية جنيف الرابعة (المادة ٤٩ منها)، نظام روما الأساسي (المادة ٧ البند ١ فقرة د)، اتفاقية منع جريمة الابادة الجماعية التي اقرّتها الأمم المتحدة (١٩٤٨) (المادة ٢)
ناهيكم عن وقوع جرائم أخرى كثيرة وأعمال تخريب مبنّية على الحقد الفئوي تطال كافة مرافق الحياة في عفرين، رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، من تدمير وإتلاف و حرق للمنازل والممتلكات العامة والخاصة وكل أسس الخدمة، والبنى التحتية والآثار والمزروعات والشجر والغابات وحرقها، بصورة جعلت هذه المناطق غارقة في الفوضى وعدم الاستقرار .
سعادة الأمين العام:
لعلّ ما سبق ذكره ما هو إلا اختصار و صورةٌ موجزة عن حقيقة الأوضاع في المناطق المحتلة من قبل تركيا، ولغاية الدلالة فقط على حجم المعاناة، وإن استمرار الحال وعدم تداركه ووضع حدٍّ له ينذر بمصائب أكثر هولاً و كارثيةً تمتد آثارها الى أجل غير معلوم، وان تهديدات الدولة التركية مؤخراً بشن عملية عسكرية جديدة في مناطق الشمال السوري (تل رفعت ومنبج) تحت مسمى منطقة آمنة وإعادة طوعية للاجئين السوريين من أراضيها وترحيل ما يقارب (500) لاجئ حسب تصريحات وزير الداخلية التركي، هذا سيؤدي الى تفاقم الوضع الإنساني وتهجير وتشريد مئات الالاف مجدداً من السكان الأصليين والنازحين .
لذلك و من خلال كل ما سبق ذكره جئنا سعادتكم راجين من خلاكم المؤسسة الدولية النهوض بمسؤولياتها والتزاماتها فوراً، واتخاذ كافة التدابير والاجراءات لوضع حدّ للاستباحة والإجرام الذي يحدث في عفرين، رأس العين/سري كانيه، وتل أبيض، وبحق أهلها والعمل بصورة أساس على:
• دعوة تركيا كدولة عضوة في المؤسسة الدولية إلى احترام ميثاقها والالتزام به، عبر الوقف الفوري لانتهاكاتها وجرائمها، هي والفصائل الموالية لها، والانسحاب من عفرين، رأس العين/سري كانيه، وتل أبيض، وغيرها من المناطق السورية فوراً.
• دعوة تركيا الى الإفراج الفوري عن كافة المختفين والمختطفين لديها، ولدى الفصائل السورية التابعة لها، ووقف الاختفاءات القسرية والاعتداءات الجسدية وممارسات التعذيب وكافة مظاهر العنف بحق المدنيين .
• مطالبة تركيا الالتزام بمعاملة الأسرى والمحتجزين لديها ممن شاركوا في أعمال قتالية ضدها بموجب قوانين الحرب الدولية والقانون الدولي الإنساني، ولا سيما مواد اتفاقيات جنيف ذات الشأن .
• مطالبة تركيا بضمان العودة السالمة والآمنة لكافة المدنيين النازحين والمهجّرين إلى منازلهم واستعادة ممتلكاتهم، ووقف ممارسات الابتزاز والترهيب بأشكالها، وتأمين الحماية وسبل ومستلزمات العيش الكريم والخدمات للسكان، كون كل ذلك من التزامات دولة الاحتلال بموجب ميثاق جنيف الرابع 1949.
• الوقف الفوري لعمليات التوطين للعوائل العربية داخل المناطق المحتلة من قبل تركيا، لا سيما عفرين ورأس العين/سري كانيه، وإخراج المستوطنين فوراً، وتأمينهم في أماكن اخرى ريثما يتمكنون من العودة الى مناطقهم الأصلية .
• مطالبة تركيا بإفساح المجال لوسائل الإعلام واللجان والمنظمات الدولية الانسانية والإغاثية والحقوقية كافة، ومنظمات المجتمع المدني بدخول عفرين، رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، وادخال كافة المستلزمات والمواد الإغاثية، وتأمين الحماية والضمانات الكافية للجهات المختصة ولجان تقصّي الحقائق لتقوم بنقل وتوثيق الانتهاكات والجرائم والتجاوزات كافة .
• سعي الامم المتحدة عبر مؤسساتها وفروعها وبالتنسيق والتعاون مع محكمة الجنايات الدولية نحو فتح تحقيقات ومحاكمات لملاحقة ومعاقبة مرتكبي الجرائم و الانتهاكات في سوريا، أيّاً كانت صفتهم و تعويض المتضررين عن تلك الجرائم.
• والأهم من ذلك كله هو وضع عفرين ورأس العين/سري كانيه وتل أبيض تحت الإشراف والحماية الدولية كون هذه المناطق تتعرض لإبادة جماعية وتطهير عرقي وديني ممنهج يستهدف مكوّنها الكردي والكرد الإيزيديين فيها.
وتفضلوا بقبول فائق التقدير والاحترام.
المنظمات الموقعة:
1. منظمة حقوق الانسان عفرين-سوريا
2. اتحاد محامين عفرين
3. منظمات المجتمع المدني
4. منظمة مبادرة الدفاع الحقوقية
5. اتحاد ايزيديي سوريا
6. المبادرة الوطنية من أجل عفرين
7. مركز الأبحاث وحماية حقوق المرأة في سوريا
8. منظمة حقوق الانسان في الجزيرة
9. منظمة حقوق الانسان في الفرات
10. اتحاد المحامين في شمال شرق سوريا
11. لجنة مهجري سري كانيه (راس العين)
12. رابطة عفرين الاجتماعية
13. منظمات منسقية روج آفا لكردستان لقوى المجتمع المدني الكردستاني
14. لجنة حقوق الانسان في سوريا (ماف)
15. المجلس الطبي تحت وحدة الطوارئ الطبية
16. تجمع الحقوقيين والمحامين الكرد
17. جمعية التنمية البشرية
18. دار بروا للطباعة والنشر
19. منتدى جكر خوين الثقافية
20. منظمة هيلين للطفولة
21. منظمة (Rojkar) للإغاثة
22. تجمع الأطباء البيطريين
23. منتدى الفنانين الكرد
24. لجنة المصالحة
25. ملتقى رجال الدين
26. جمعية ذوي الاحتياجات الخاصة
27. جمعية فريق العمل
28. جمعية الرعاية الصحية
29. مركز الدراسات والاستشارات الزراعية
30. جمعية نازحي الشهباء
31. جمعية رعاية الأطفال في القامشلي
32. جمعية المناهج التربوية
33. رابطة الجامعيين والأكاديميين الكرد
34. ملتقى وجهاء الكرد
35. الحركة النسائية (مؤتمر ستار)
36. شبكة عفرين بوست الإخبارية
37. رابطة “تآزر” للضحايا.
38. منصة “قمح وزيتون”.
39. منصة عفرين.
40. منصة رأس العين/سري كانيه.
41. التحالف السوري الوطني في واشنطن.
42. منتدى تل ابيض للمجتمع المدني
28/6/2022

شاهد أيضاً

بيان استنكاري بخصوص الأعمال الإرهابية و اللاإنسانية التي قام فصيل موالي للاحتلال التركي

بيان استنكاري إننا في مركز الأبحاث و حماية حقوق المرأة نستنكر الأعمال الإرهابية و اللاإنسانية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *